Podcast Episode Details

Back to Podcast Episodes
تهاوي النموذج الغربي لا يعني صعود النموذج الاسلامي

تهاوي النموذج الغربي لا يعني صعود النموذج الاسلامي


Season 3 Episode 5


تهاوي النموذج الغربي لا يعني بالضرورة صعود النموذج الإسلامي.

من الصعب إنكار أن النموذج الغربي اليوم بدأ بالتدحرج من قمة الحضارة الإنسانية، وهذا أمر يلحظه أبناء النموذج الغربي قبل غيرهم، لكن لن أتحدث هنا عن النموذج الغربي ومآلاته، وإنما حديثي عن معتقد كثير من المسلمين بأن تهاوي النموذج الغربي يعني تلقائيًا صعود النموذج الإسلامي، وتاليًا كل ما علينا هو انتظار انهيار النموذج الغربي ليجد بعد ذلك النموذج الإسلامي السجاد الأحمر مفروشًا أمامه، وهذا وهم كبير أورثنا الجمود والبرود في تثوير إمكاناتنا الحضارية.

إن الشرط الموضوعي لصعود أي نموذج معرفي هو تحقق وجود هذا النموذج نفسه واستحالته ثقافةً عامة في حاضنته الحضارية، ولستُ أبالغ إن قلت إن المسلمين اليوم لا يمتلكون نموذجًا إسلاميًا جاهزًا للتشغيل في الموضوعات الإنسانية وإدارة الوجود الاجتماعي بمختلف أنماطه، فضلاً عن أن يكون هذا النموذج مهيمنًا على الإنتاج الفكري الإسلامي. وهذه الحقيقة_ التي لطالما غضضنا الطرف عنها بذرائع مختلفة_ يجب اليوم مواجهتها مواجهة جادة من كل الذي يعنيهم أن يكون الإسلام قبلة الحضارة الإنسانية. لو سألتنا الحضارات الأخرى: ما النموذج الإسلامي في الاقتصاد؟ وما النموذج الإسلامي في السياسة؟ وما النموذج الإسلامي في الاجتماع والمعرفة والتربية؟ وأنا أعني بالنموذج البناء المعرفي الذي يتضمن تناسقًا بين في التصورات الوجودية، والتصورات القيمية، والتصورات المفاهيمية، ثم أخيرًا تفعيل ذلك إجرائيًا مع البيئة المعاصرة. هل لدينا اليوم نموذج إسلامي بهذه الصفات يصلح تقديمه للإنسانية؟

شخصيًا لا أرى شيئًا من ذلك أنجز، نعم ثمة إسهامات جزئية يبذلها باحثون هنا وهناك، لكننا إلى الآن لا نملك نموذجًا يؤطر البحث الإسلامي المعاصر، ليس لأن الوحي لا يمتلكه، بل هو كامن في نصوصه على وجه الكمال، لكن الوحي عبارة عن نصوص، والنصوص لا تتفاعل مع الواقع بنفسها، وإنما تحتاج أن تعيها أذن واعية فتبلّغها، وكيف يتحقق ذلك والباحثون المسلمون اليوم إما مشغولون بالتراث الفقهي أو مشغولون بالتراث الغربي؟ أما الباحثون في الخطاب القرآني بحثًا مباشرًا فهم أقل الباحثين عددًا.

وإن كنتَ في ريبٍ من ذلك فانظر إلى المناهج التي تدرس في كليات الشريعة في كل الجامعات، ستجد أن الكلام السابق هو مجرد تعبير لطيف عن الواقع المأساوي الموجود، ويكفيك أن تدرك أن القرآن الذي يُفترض أن يكون منطلقًا للدراسات الإسلامية بكل أشكالها، أصبح في كليات الشريعة مجرد فرع من الفروع، لا يمر عليه إلا من يتعنّى له، ولذلك يمكن أن تدرس من مرحلة البكالريوس إلى مرحلة الدكتوراه في كليات الشريعة وتخرج دون أن تتعرّف على تصورات الوحي الإسلامي في الموضوعات الإنسانية والاجتماعية ، بل ولا حتى في الموضوعات الإسلامية نفسها، فلربما تصل إلى الدكتوراه وأنت لم تُكلّف يومًا ببحث مفردة قرآنية واحدة فضلاً عن استنباط التصورات القرآنية في موضوعات تخصصك، فلربما نال أحدهم الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي، وعرف كل ما قاله الفقهاء عن الربا، لكنه لم يدرس يومًا مفردة الربا في سياقاتها القرآنية، وقس على ذلك سائر المفاهيم.

بل دعك من ذلك كله، انظر إلى مسألة الترجمة التي هي العمود الفقري في أي عملية تسويق للنموذج الإسلامي، ما أخبارنا اليوم في الترجمة؟ إذا كان القرآن العظيم المكوّن الأساس لحضارتنا لا يزال إلى اليوم لا توجد له ترجمات لائقة في معظم ثقافات العالم، بل إن روسيا وكل الدول المتحدثة بالروسية تعاني من قلة وجود ترجمات دقيقة لمعاني القرآن، حتى تحسّر المفكر الروسي ميخائيلوف على حال ترجمة القرآن الروسية، وذكر أنها تُرجمت عن النسخة الإنجليزية التي تتضمن كثيرًا من التحريفات التي أساءت للقرآن، وهذا _برأيه_ سيحول دون قبول الروس للإسلام.

فإذا كان القرآن إلى الآن لم نُحسن نقله للعالم نقلاً يليق بعظمته، فما ظنك بما هو دونه؟ ولستُ أعني بالكلام السابق إحباط الضمير الإسلامي المتحمس، ولكن القرآن علّمنا أن الأماني لا ترفع للإسلام راية، وإنما العبرة بالعمل اللائق بالشهود الإلهي {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

لأجل ذلك أقول إنَّ تهاوي النموذج الغربي يجب أن يجعل الباحثين المسلمين يعلنون حالة الطوارئ لصناعة النموذج الإسلامي في كل المجالات الإنسانية، كل باحث في مجاله وتخصصه، وإلا يكن ذلك واقعًا مشهودًا فإنَّ كل أصواتنا العالية والمتحمسة لن تجد ما يردُّ صداها، فالورد لا ينبت بصوت الرعد مهما علا.


Published on 3 years ago






If you like Podbriefly.com, please consider donating to support the ongoing development.

Donate