Episode 3260
مقال لا تتهرب من الحرج
ألكسندرا بلاكياس
لا يعدّ الحرج فشلًا شخصيًا محرجًا بقدر ما هو تعبير عن اختلال جماعي في التفاعل الاجتماعي، ومن خلاله يمكننا إعادة صياغة النصوص الاجتماعية التي تحكم علاقاتنا
يدرك الرجل أنه من الواجب عليه أن يرفع صوته مستنكرًا ما يبديه زملاؤه في العمل من سلوك متحيز ضد النساء، لكن صداقة هؤلاء الزملاء ورغبته في الحفاظ على أجواء الود تمنعه من المواجهة، خشية أن ينشأ موقف محرج بينه وبينهم. أما الأستاذة الجامعية، التي ازدادت رسوخًا وثباتًا بعد سنوات من التدريس، فإنها تشعر بالانزعاج من تعليقات زميلها التي تتسم بالغزل، لكنها تفضل عدم التعبير عن استيائها خوفًا من إحراج قد يتسبب في توتر الأجواء. وفي موقف آخر، يلتقي أحدهم بزميل فقد شخصًا عزيزًا عليه مؤخرًا، لكنه يجد نفسه عاجزًا عن التعبير عن مواساته، لا لشيء إلا لعدم معرفته بما يجب قوله في مثل هذه المواقف، فيلجأ للصمت، متجنبًا أي حديث حول الموضوع.
إن الحرج ، الذي نواجهه يوميًا، بات جزءًا من الفكاهة المعاصرة، يستخدمه الناس كوسيلة لتخفيف التوتر الاجتماعي. فكلمة "مُحرج!" التي نسمعها أحيانًا تُطلق لتلطيف الأجواء بطريقة مرحة. ولكن الحقيقة أن الحرج ليس مجرد مزحة، فهو في أحيان كثيرة جاد، يكبل قدرتنا على التصرف، حتى ونحن ندرك أن علينا الفعل، ويمنعنا من الخوض في نقاشات مهمة حول مواضيع مثل الحيض، أو المال، أو الموت. إنه عائق اجتماعي قوي، يجعلنا نصمت ونتبع الأعراف الاجتماعية، حتى وإن كانت خاطئة أخلاقيًا.
فماذا يكون الحرج إذن؟ هل هو مجرد ظاهرة يومية مضحكة يجب علينا أن نقبلها ونتعايش معها؟ أم هو عائق اجتماعي خطير يقف حائلًا أمام القرارات الأخلاقية والتغيير الاجتماعي؟ أم لعله يجمع بين الاثنين بطريقة غريبة، يجسد فيها جانبًا فكاهيًا وآخرًا جادًا في آن واحد؟
كثيرًا ما يُنظر إلى الحرج كمشكلة شخصية. وقد أدهشني، أثناء تأليف كتابي عن الحرج، عدد الأشخاص الذين يرون أنفسهم كـ "حرجين" واعتبارهم هذا الوصف جزءًا من هويتهم. لقد غذّت الأفلام والثقافة الشعبية هذا المفهوم، حيث تصور الشخصيات المُحرجة على أنها تلك التي تعجز عن التوافق مع المعايير الاجتماعية. هذه الرؤية الفردية تجعلنا نعتقد أن الحل الأمثل لتجنب الحرج هو الصمت والامتثال.
لكن هذه النظرة لا تعبر إلا عن جزء من الحقيقة، ومن المؤكد أنه يخطئ في فهم طبيعة الحرجفي جوانبها الأساسية. نعم، إن الحرج ينبع من عدم الامتثال للمعايير الاجتماعية السائدة، ولكن هذا الخلل ليس مشكلة فردية. ولذلك ينبغي ألا نفكر في الأشخاص الذين يوصفون بأنهم "حرجون"، بل الأجدر أن نركز على المواقف التي تثير الحرج. قد يكون الإحراج مؤلمًا، وقد يبعث على الشعور بعدم الراحة، لكنه لا يجب أن يعتبر أمرًا مخجلًا، ولا ينبغي لنا أن نشعر بالخزي منه. بعكس ما يظنه كثيرون، لحظات الحرج ليست وصمة عار. بل علينا، بدلًا من أن نتجنبها، أن نفكر فيها ونمعن النظر في تفاصيلها. لأن إدراكنا للطبيعة الحقيقية للحرج يفتح أمامنا مجالًا لفهمه بصورة أدق، ويتيح لنا أن نراه لا كفشل فردي، بل كفرصة للتغيير الاجتماعي. بعبارة أخرى، علينا أن نتعامل مع الحرجبقدر أكبر من الجدية، دون أن نجعله عبئًا شخصيًا.
تحديد ماهية الحرج ليس بالأمر السهل. فمعظمنا يعرف الإحراج عندما نراه أو نختبره، لكنه يصعب تعريفه بدقة. يرجع ذلك، جزئيًا، إلى أن الدراسات التجريبية تميل إلى التعامل مع الحرج (شعور بالارتباك في مواقف غير مريحة) على أنه نوع من الإحراج (هو شعور بالخجل بسبب موقف محرج أو خطأ اجتماعي) أو عرض من أعراضه، لكن هذا خطأ. فالحرج يحدث عندما يرتكب الفرد هفوة اجتماعية، وتظهر ملامح الاعتذار على وجهه أو في تصرفاته الجسدية. وبهذا المعنى، يُعد الحرج وسيلة للإصلاح الاجتماعي. غير أن الحرج يختلف تمامًا: فهو ليس أمرًا ينشأ من فعل فردي، ولا يمكن للفرد وحده تجاوزه؛ بل إنه تمزق اجتماعي في الأساس. الفشل في حالة الإحراج يكمن في عدم الامتثال للمعايير الاجتماعية القائمة. أما الحرج، فإنه يحدث عندما نفتقد تلك "النصوص الإجتماعية" التي نحتكم إليها في تصرفاتنا. بعبارة أخرى، الإحراج يقع عندما نخرج عن النصوص المحددة، في حين أن الحرج يحدث عندما لا نجد نصًا اجتماعيًا يرشدنا في تصرفاتنا.
ما يشعر به الناس من الحرج في كثير من الأحيان، ليس إلا ظنًّا بأن هذا الحرج متصل بشخصيتهم وحدهم، إنما هو وهم. والحقيقة أن الحرج ليس فعلًا فرديًا، بل هو نتاج جماعي، أو بالأحرى فشل جماعي. كما يصفه "آدم كوتسكو"، فإن الحرج يمثل نوعًا من "الإدراك من خلال الانهيار"، حيث يظهر حينما يجد الأفراد أنفسهم فجأة في موقفٍ لا نص اجتماعي له، فلا يجدون دليلًا يرشدهم في تفاعلهم أو في حدثٍ ما. يشبه ذلك تمامًا الوقوف على خشبة المسرح بلا حوار
Published on 2 months, 2 weeks ago
If you like Podbriefly.com, please consider donating to support the ongoing development.
Donate