Podcast Episode Details

Back to Podcast Episodes
قصة دموع لا يراها العالم | أنطون تشيخوف

قصة دموع لا يراها العالم | أنطون تشيخوف


Episode 2688


قصة دموع لا يراها العالِم

أنطون تشيخوف

– آه يا سادة يا كرام لو نتعشَّى الآن.

قال القائد العسكري المُقدَّم ريبروتيوسوف، وهو رجل طويل نحيف كعمود البرق، وكان خارجًا من النادي مع جماعة من أصحابه ذات ليلة مُظلِمة من شهر أغسطس. ومضى يقول: في المدن المحترَمة، مثل ساراتوف، يمكنك دائمًا أن تتعشى في النادي، أما هنا، في مدينتنا العفنة تشيرفيانسك، فبخلاف الفودكا والشاي بالذُّباب لا تحصل على شيء. ليس هناك ما هو أسوأ من أن تشرب ولا تجد ما تَمُز به!

– نعم، لا بأس الآن بشيء ما، هكذا يعني — أمَّن مُفتِّش المعهد الديني إيفان أيفانيتش دفويتوتشيف وهو يلتَفُّ بمعطفه الأصفر اتقاءً للريح — الساعة الآن الثانية، والحانات مُغلَقة، آه لو يَعني فسيخة مُملَّحة … أو فُطر مُخلَّل … أو يعني شيئًا ما هكذا.

وحَرَّك المفتِّش أصابعه في الهواء ورسم على وجهه أكلة، يبدو أنها شهية جدًّا؛ لأن كل من نظروا إلى وجهه لَعقوا شفاهم. وتوقَّفَت الجماعة عن السَّير وأخذت تُفكِّر، وفكَّرَت طويلًا، ولكن تفكيرها لم يَتفتَّق عن شيء يُؤكَل. واضطُرَّت إلى الاكتفاء بالأحلام فقط.

وتنهد نائب مأمور المركز بروجينا-بروجينسكي وقال: يا لَه مِن ديك رومي عظيم ذلك الذي أكلتُه بالأمس عند جولوبيسوف … بالمناسبة يا سادة، ألَم يزُرْ أحد منكم وارسو؟ هناك يفعلون هكذا … يأخذون سمك الشَّبُّوط العادي، وهو حي … يَتلوَّى، ويُلقُون به في اللبن … ويَظل هذا الوغد يَعوم في اللبن يومًا، وبعد ذلك يَغمِسونه في القِشدَة ويَقلُونه في مقلاة تُطشطِش … وعند ذلك لا حاجة يا أخي لأناناسك! إي والله … خاصة إذا شربت كأسًا أو كأسين … تأكل ولا تحس، كأنك في غيبوبة … الرائحة وَحدَها تجنن!

فأردف ريبروتيوسوف بنبرة مشاركة قلبية: فإذا أضفت إليه خيارًا مملَّحًا … عندما كنَّا مُعسكرِين في بولندا كان يحدث أن تحشر في جوفك حوالي المائتين من البيلميني مرة واحدة … تملأ بها طبقًا كاملًا وترُش عليها الفُلفل والشَّبَت والبَقدونس و… لا أستطيع أن أُعبِّر لكم!

وتوقف ريبروتيوسوف فجأة واستغرق في التفكير؛ تَذكَّر حساء السمك الذي أكله عام ١٨٥٦م في دير الثالوث الأقدس، وكانت ذكرى هذا الحساء لذيذة إلى درجة أن القائد العسكري شَم فجأة رائحة السمك وحرَّك فكَّيه لا إراديًّا ولم يلحظ تَسرُّب الوحل إلى خلف حذائه.

وقال: كلا، لا أستطيع، لا أستطيع أن أصبر أكثر!

سأذهب إلى البيت وأُمتِّع نفسي، اسمعوا يا سادة، فلتأتوا معي! إي والله! لنشرب كأسًا، ونمُز بما رزقَنا به الله؛ خيار، مرتدلة … ونشعل السماور … هه؟ لِنَمُز، ونتحدث عن الكوليرا، ونتذكر ما مضى … زوجتي نائمة الآن، لن نوقِظها … سنجلس في هدوء … هيا بنا!

ولا حاجة لوصف الإعجاب الذي قُوبل به هذا العرض. يكفي فقط أن أقول إنه لم يكن لدى ريبروتيوسوف في أي وقت مضى مثل هذه الكثرة من الخيِّرِين كما كان لديه في هذه الليلة.

– سأقطع أذنيك.

قال القائد العسكري لجندي المراسلة وهو يدخل بالضيوف إلى غرفة الجلوس المظلمة: قلتُ لك ألف مرة يا حيوان أن تُشعل البخور عندما تنام في المدخل، اذهب يا غبي وأشعل السماور، وقُل لإيرينا أن تحضر اﻟ … أن تحضر من القبو خيارًا وفِجلًا … ونظِّف بعض الفسيخ … وقطِّع البطاطس دوائر … والبنجر أيضًا … وكُلُّ هذا صُبَّ عليه الخل والزيت، يعني، والمسطردة أيضًا … ورُشَّ الفلفل فوقه … باختصار طَبَق مَزَّة … مفهوم؟

وحرَّك ريبروتيوسوف أصابعه مصوِّرًا الخلطة، وأضاف إلى المَزَّة بتعابير وجهه ما لم يستطع أن يضيفه بالكلمات … وخلَع الضيوف أخفافهم ودَلفوا إلى القاعة المظلِمة. وأشعل صاحب البيت عود ثقاب ففاحت رائحة الكبريت، وأضاء الجدران المزيَّنة بهدايا مجلة «نيفا» ومناظر البندقية وصورتَين للكاتب لاجيتشنيكوف وجنرالٍ ما بعينين مدهوشتين للغاية.

– حالًا، حالًا، همس ربُّ الدار وهو يوسع المنضدة بهدوء، سأَعُد المائدة ثم نجلس … ماشا زوجتي مريضة اليوم … أرجو المعذرة إذن … عندها مرض نسائي ما … الدكتور جوسين يقول إن ذلك بسبب أكل الصيام … جائز جدًّا! ولكني أقول لها: «يا روحي، ليست المسألة في الأكل! ليست المسألة فيما يدخل الفم بل فيما يخرج من الفم … فأنت تأكلين أكل الصيام ولكنك عصبية كما كنت … وبدلًا من أن تتعبي جسدك، الأفضل ألا تغضبي، وألا تتفوهي بكلمات …»، ولكنها لا تريد حتى أن تسمع! تقول: «لقد تعودنا على ذلك منذ الصغر.»

ودخل جندي المراسلة، ومَدَّ عنقه وأسرَّ بشيء ما في أذن رب الدار … ولعَّب ريبروتيوسوف حاجبيه.

ودمدم بصوت كالخوار: هم … نعم … هم … هكذا … عمومًا بسيطة … حالًا سأعود … دقيقة واحدة … ماشا أوصدت القبو والخزائن في وجه الخدم وأخذت المفاتيح. ينبغي أن أذهب لإحضارها.

وصعد ريبروتيوسوف على أطراف أصابعه، وفتح الباب به


Published on 5 months, 1 week ago






If you like Podbriefly.com, please consider donating to support the ongoing development.

Donate